عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: "جلست إحدى عشر امرأة، فتعاهَدْنَ وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئاً.
(فقالت الأولى): زوجي لحم جَملٍ غَثّ، على رأس جبل وعر، لا سهلٌ فيرتقى، ولا سمينٌ فينتقل.
(قالت الثانية): زوجي لا أثير خبره، إني أخاف أن لا أذَرَهُ، إن أذكره أذكرْ عُجَره وبُجَره.
(قالت الثالثة): زوجي العَشَنّق، إن أنْطِقْ أُطلَّق، وإن أسكت أُعَلَّق.
(قالت الرابعة): زوجي كَلَيْلِ تهامةَ، لا حَرَّ ولا قَرَّ، ولا مخافة ولا سآمة.
(قالت الخامسة): زوجي إن دخل فَهِدَ، وإن خرج أسَِدَ، ولا يسأل عما عَهِدَ.
(قالت السادسة): زوجي إن أكل لَف، وإن شَرِبَ اشْتَفَّ، وإن اضطجع التفَّ، ولا يولجُ الكفَّ لِيَعلمَ البَثَّ.
(قالت السابعة): زوجي عَياياءُ (أو غياياءُ) طباقاء، كلُّ داءٍ له داء، شَجَّكِ أو فَلَّكِ،أو جمع كُلاً لَكِ.
(قالت الثامنة): زوجي المسُّ مسُّ أرنب، والريح ريح زَرْنَبْ.
(قالت التاسعة): زوجي رفيعُ العماد، طويل النِّجاد، عظيمُ الرِّماد، قريبُ البيت من الناد.
(قالت العاشرة): زوجي مالكٌ، وما مالِك؟ مالكٌ خير من ذلك، له إبلٌ كثيراتُ المبارك، قليلات المسارح، إذا سمعن صوت المِزْهَر أيقنَّ أنهنَّ هَوالك.
(قالت الحادية عشر): زوجي أبو زَرْع، وما أبو زَرْع؟ أناسَ من حُليِّ أُذُنَيَّ، وملأ من شَحْمٍ عَضُديَّ، وبَجَّحَني فبَجَحْتُ إليَّ نفسي، وجدني في أهل غُنيمةٍ بَشَقٍ، فجعلني في أهل صَهيلٍ وأَطيطٍ، ودائِسٍ ومُنَقٍّ، فعنده أقولُ فلا أُقَبَّحُ، وأرقدُ فأتصبّحُ، وأشربُ فأتقَمَّحُ،
أم أبي زرع فما أمُّ أبي زرع؟: عُكومُها رَِدَاحٌ، وبيتُها فَسَاح، ابن أبي زرع فما ابن أبي زرع؟: مضجعه كمسلِّ شَطْبةٍ، وتُشْبِعُهُ ذِراعُ الجَفرَةِ،
بنت أبي زرع: فما بنت أبي زرع؟ طَوعُ أبيها وطَوعُ أمها، وملءُ كسائها، وغَيظُ جارتها،
جارية أبي زرع فما جارية أبي زرع؟: لا تَبثُّ حديثنا تبثيثاً، ولا تَنْقُثُُ ميرتَنا تنقيثاً، ولا تَملأ بيتنا تعشيشاً.
قالت خرج أبو زرع والأوطاب تُمْخَضُ، فَلقي امرأةً معها ولدان لها كالفهدين، يلعبان من تحت خَصْرها برمَّانتين، فطلَّقني ونكحها، فنكحْتُ بعده رجلاً سَريَّاً، رَكِبَ شَرياً، وأخذ خَطِيَّاً، وأراح عليَّ نَعَماً ثَرِياً، وأعطاني من كل رائحةٍ زوجاً، وقال: كلي أم زرع! وميري أهلك، فلو جمعتُ كل شيء أعطانيه ما بَلَغ أصغر آنية أبي زرع.
قالت عائشة - رضي الله عنها -: فقال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (( كنتُ لكِ كأبي زرعٍ لأم زرعٍ )).
شرح ألفاظ الحديث وغريبه:
قال ابن حجر : قوله: (فتعاهدن وتعاقدن) أي: ألزمن أنفسهن عهداً، وعقدن على الصدق من ضمائرهن عقداً.
قال ابن حجر: قوله: (أن لا يكتمن) في رواية بن أبي أويس وعقبة: أن يتصادقن بينهن ولا يكتمن، وفي رواية سعيد بن سلمة عند الطبراني: أن ينعتن أزواجهن ويصدقن، وفي رواية الزبير: فتبايعن على ذلك.
شرح الحديث
وقول الأولى: (زوجي لحم جَملٍ غَثّ) أي: كلحم الجمل في الرداءة، لا كلحم الضأن، والمقصود منه المبالغة في قلة نفعه، والرغبة عنه.
(على رأس جبل وعر، لا سهلٌ فيرتقى، ولا سمينٌ فينتقل) المقصود المبالغة في تكبره وسوء خلقه، فلا يوصل إليه إلا بغاية المشقة، ولا ينفع زوجته في عشرة ولا غيرها مع كونه مكروهاً رديئاً، ومعنى (لا ينتقل) أي: لا ينقله الناس إلى بيوتهم ليأكلوه بعد مقاساة التعب ومشقة الوصول، بل يرغبون عنه لرداءته، وبالجملة فقد وصفته بالبخل والرداءة، والكبر على أهله وسوء الخلق.
وأما قول الثانية: (زوجي لا أثير خبره) أي لا أظهره وأنثره.
قال ابن حجر: قوله: (إني أخاف أن لا أذره) أي: أخاف أن لا أترك من خبره شيئاً، فالضمير للخبر أي أنه لطوله وكثرته إن بدأته لم أقدر على تكميله، فاكتفت بالإشارة إلى معايبه خشية أن يطول الخطب بإيراد جميعها.
قوله (عجره وبجره) فالعجر تعقد العصب والعروق في الجسد حتى تصير ناتئة، والبجر مثلها إلا أنها مختصة بالتي تكون في البطن قاله الأصمعي وغيره، وقال الخطاب: أرادت عيوبه الظاهرة وأسراره الكامنة، قال: ولعله كان مستور الظاهر، رديء الباطن
قوله: قالت الثالثة: (زوجي العشنق): هو الطويل، وقال الأصمعي: أرادت أنه ليس عنده أكثر من طوله بغير نفع،
قوله: (إن أنطق أطلق، وأن اسكت أعلق) أي: إن ذكرت عيوبه فيبلغه طلقني، وإن سكت عنها فأنا عنده معلقة، لا ذات زوج ولا أيم، هكذا توارد عليه أكثر الشراح تبعاً لأبي عبيد، وفي الشق الثاني عندي نظر؛ لأنه لو كان ذلك مرادها لانطلقت ليطلقها فتستريح، والذي يظهر لي أيضاً أنها أرادت وصف سوء حالها عنده، فأشارت إلى سوء خلقه، وعدم احتماله لكلامها إن شكت له حالها، وإنها تعلم أنها متى ذكرت له شيئاً من ذلك بادر إلى طلاقها، وهي لا تؤثر تطليقه لمحبتها فيه، ثم عبرت بالجملة الثانية إشارة إلى أنها سكتت صابرة على تلك الحال.
قوله: قالت الرابعة: (زوجي كليل تهامة، لا حر ولا قر، ولا مخافة ولا سآمة) وصفت زوجها بجميل العشرة، واعتدال الحال، وسلامة الباطن، فكأنها قالت: لا أذى عنده ولا مكروه، وأنا آمنة منه، فلا أخاف من شره، ولا ملل عنده فيسأم من عشرتي، أو ليس بسيء الخلق فأسأم من عشرته، فأنا لذيذة العيش عنده كلذة أهل تهامة بليلهم المعتدل.
قوله: قالت الخامسة: (زوجي أن دخل فهد، وأن خرج أسد، ولا يسأل عما عهد) قال ابن أبي أويس معناه: إن دخل البيت وثب علي وثوب الفهد، وإن خرج كان في الإقدام مثل الأسد، فعلى هذا يحتمل قوله "وثب" على المدح والذم، فالأول تشير إلى كثرة جماعه لها إذا دخل، فينطوي تحت ذلك تمدحها بأنها محبوبة لديه بحيث لا يصبر عنها إذا رآها، والذم إما من جهة أنه غليظ الطبع ليست عنده مداعبة ولا ملاعبة قبل المواقعة؛ بل يثب وثوباً كالوحش، أو من جهة أنه كان سيء الخلق، يبطش بها ويضربها، وإذا خرج على الناس كان أمره أشد في الجرأة والإقدام والمهابة كالأسد.
وقولها: (ولا يسأل عما عهد) يحتمل المدح والذم أيضاً، فالمدح بمعنى أنه شديد الكرم، كثير التغاضي، لا يتفقد ما ذهب من ماله، وإذا جاء بشيء لبيته لا يسأل عنه بعد ذلك، أو لا يلتفت إلى ما يرى في البيت من المعايب بل يسامح ويغضي، ويحتمل الذم، بمعنى أنه غير مبال بحالها حتى لو عرف أنها مريضة أو معوزة؛ وغاب ثم جاء لا يسأل عن شيء من ذلك، ولا يتفقد حال أهله ولا بيته؛ بل إن عرضت له بشيء من ذلك وثب عليها بالبطش والضرب، وأكثر الشراح شرحوه على المدح، فالتمثيل بالفهد من جهة كثرة التكرم أو الوثوب، وبالأسد من جهة الشجاعة، وبعدم السؤال من جهة المسامحة.
قوله: (قالت السادسة: زوجي أن أكل لف، وأن شرب اشتف، وأن اضطجع التف، ولا يولج الكف ليعلم البث) المراد باللف الإكثار منه واستقصاؤه حتى لا يترك منه شيئاً، والاشتفاف في الشرب استقصاؤه، مأخوذ من الشفافة بالضم، والتخفيف وهي البقية تبقى في الإناء، فإذا شربها الذي شرب الإناء قيل اشتفها،
وقوله (التف) أي: رقد ناحية وتلفف بكسائه وحده وانقبض عن أهله إعراضاً، فهي كئيبة حزينة لذلك؛ ولذلك قالت: (ولا يولج الكف ليعلم البث) أي: لا يمد يده ليعلم ما هي عليه من الحزن فيزيله، ويحتمل أن تكون أرادت أنه ينام نوم العاجز الفشل الكسل، والمراد بالبث: الحزن، فأرادت أنه لا يسأل عن الأمر الذي يقع اهتمامها به، فوصفته بقلة الشفقة عليها، وأنه إن رآها عليلة لم يدخل يده في ثوبها ليتفقد خبرها كعادة الأجانب فضلا عن الأزواج، أو هو كناية عن ترك الملاعبة أو عن ترك الجماع، وقد جمعت في وصفها له بين اللؤم والبخل، والنهمة والمهانة، وسوء العشرة مع أهله، فإن العرب تذم بكثرة الأكل والشرب، وتتمدح بقلتهما، وبكثرة الجماع لدلالتها على صحة الذكورية والفحولية...
قوله: (قالت السابعة: زوجي غياياء أو عياياء طباقاء) والغياياء الطباقاء: الأحمق الذي ينطبق عليه أمره، وقال النووي: قال عياض وغيره: غياياء بالمعجمة صحيح، وهو مأخوذ من الغياية وهي الظلمة، وكل ما أظل الشخص، ومعناه: لا يهتدي إلى مسلك، أو أنها وصفته بثقل الروح، وأنه كالظل المتكاثف الظلمة الذي لا إشراق فيه، أو أنها أرادت أنه غطيت عليه أموره.
وقولها: (كل داء له داء) أي: كل شيء تفرق في الناس من المعايب موجود فيه.
وقولها: (شجكِ) أي: جرحك في رأسك، وجراحات الرأس تسمى شجاجاً، وقولها:
(أو فلكِ) أي جرح جسدك،
وقولها: (أو جمع كلا ًلكِ) قال الزمخشري: يحتمل أن تكون أرادت أنه ضروب للنساء، فإذا ضرب؛ إما أن يكسر عظماً، أو يشج رأسها، أو يجمعهما، قال عياض: وصفته بالحمق، والتناهي في سوء العشرة، وجمع النقائص بأن يعجز عن قضاء وطرها مع الأذى، فإذا حدثته سبها، وإذا مازحته شجها، وإذا أغضبته كسر عضواً من أعضائها، أو شق جلدها، أو أغار على مالها، أو جمع كل ذلك من الضرب والجرح وكسر العضو وموجع الكلام وأخذ المال.
قوله (قالت الثامنة: زوجي المس مس أرنب، والريح ريح زرنب) زاد الزبير في روايته: (وأنا أغلبه والناس يغلب) والأرنب: دويبة لينة المس، ناعمة الوبر جداً،
والزرنب: هو نبت طيب الريح، وصفته بأنه لين الجسد ناعمه، ويحتمل أن تكون كنَّت بذلك عن حسن خلقه، ولين عريكته؛ بأنه طيب العرق لكثرة نظافته، واستعماله الطيب؛ تظرفاً، ويحتمل أن تكون كنَّت بذلك عن طيب حديثه، أو طيب الثناء عليه؛ لجميل معاشرته،
وأما قولها (وأنا أغلبه والناس يغلب) فوصفته مع جميل عشرته لها، وصبره عليها؛ بالشجاعة..
قوله: (قالت التاسعة: زوجي رفيع العماد، طويل النجاد، عظيم الرماد، قريب البيت من الناد) وصفته بطول البيت وعلوه؛ فإن بيوت الأشراف كذلك، يعلونها ويضربونها في المواضع المرتفعة؛ ليقصدهم الطارقون والوافدون، فطول بيوتهم أما لزيادة شرفهم، أو لطول قاماتهم، وبيوت غيرهم قصار، ومن لازم طول البيت؛ أن يكون متسعاً فيدل على كثرة الحاشية والغاشية، وقيل كنَّت بذلك عن شرفه ورفعة قدره، والنجاد حمالة السيف تريد أنه طويل القامة يحتاج إلى طول نجاده، وفي ضمن كلامها أنه صاحب سيف فأشارت إلى شجاعته .
وقولها (عظيم الرماد) تعني: أن نار قراه للأضياف لا تطفأ لتهتدي الضيفان إليها، فيصير رماد النار كثيراً لذلك،
وقولها (قريب البيت من الناد) وقفت عليها بالسكون لمؤاخاه السجع، والنادي والندى مجلس القوم، وصفته بالشرف في قومه فهم إذا تفاوضوا وتشاوروا في أمر وأتوا فجلسوا قريباً من بيته؛ اعتمدوا على رأيه، وامتثلوا أمره، أو أنه وضع بيته في وسط الناس؛ ليسهل لقاؤه، ويكون أقرب إلى الوارد وطالب القرى، ويحتمل أن تريد أن أهل النادي إذا أتوه لم يصعب عليهم لقاؤه؛ لكونه لا يحتجب عنهم، ولا يتباعد منهم، بل يقرب ويتلقاهم، ويبادر لإكرامهم، وضد من يتوارى بأطراف الحلل، وأغوار المنازل، ويبعد عن سمت الضيف؛ لئلا يهتدوا إلى مكانه، فإذا استبعدوا موضعه صدروا عنه، ومالوا إلى غيره، ومحصل كلامها أنه وصفته بالسيادة والكرم، وحسن الخلق وطيب المعاشرة.
قوله: (قالت العاشرة زوجي: مالك، وما مالك؟ مالك خير من ذلك، له إبل كثيرات المبارك، قليلات المسارح، وإذا سمعن صوت المزهر أيقن أنهن هوالك) ما: في قولها (وما مالك) استفهامية يقال للتعظيم والتعجب .
والمعنى: وأي شيء هو مالك، ما أعظمه وأكرمه، وتكرير الاسم أدخل في باب التعظيم، وقولها: (مالك خير من ذلك) زيادة في الإعظام، وتفسير لبعض الإبهام، وأنه خير مما أشير إليه من ثناء وطيب ذكر، وفوق ما اعتقد فيه من سؤدد وفخر، والمبارك: جمع مبرك، وهو موضع نزول الإبل، والمسارح: جمع مسرح، وهو: الموضع الذي تطلق لترعى فيه، والمزهر بكسر الميم وسكون الزاي وفتح الهاء: آلة من آلات اللهو، وقيل: هي العود، وقيل: دف مربع،... فإذا سمعت الإبل صوته، ومعمعان النار؛ عرفت أن ضيفاً طرق فتيقنت الهلاك...
وهذه الي سميه عليها الحديث
قوله: (قالت الحادية عشرة) وهي أم زرع بنت أكيمل بن ساعدة.
قوله: (زوجي أبو زرع) قوله: (أناس) أي حرك، قوله: (من حلي أذني) المراد أنه ملأ أذنيها بما جرت عادة النساء من التحلي به من قرط وشنف من ذهب ولؤلؤ ونحو ذلك.
قوله: (وملأ من شحم عضدي) قال أبو عبيد لم ترد العضد وحده وإنما أرادت الجسد كله؛ لأن العضد إذا سمنت سمن سائر الجسد، وخصت العضد لأنه أقرب ما يلي بصر الإنسان من جسده، قوله (وبجحنى فبجحت) وفي رواية لمسلم (فتبجَّحَتْ إلي) بالتشديد (نفسي) والمعنى: أنه فرحها ففرحت، وقال ابن الأنباري: المعنى عظمني فعظمت إلي نفسي.
قوله: (وجدني في أهل غُنَيْمَة بشَق) المراد شق جبل كانوا فيه لقلتهم ووسعهم، والمعنى بالشق إنهم كانوا في شظف من العيش.
قوله: (فجعلني في أهل صهيل) أي: خيل (وأطيط) أي: إبل، وأصل الأطيط صوت أعواد المحامل والرجال على الجمال، فأرادت إنهم أصحاب محامل تشير بذلك إلى رفاهيتهم.
قوله (ودائس) اسم فاعل من الدوس، والدائس الذي يدوس الطعام، فكأنها أرادت إنهم أصحاب زرع.
قوله: (ومنق)أي له أنعام ذات نقي أي سمان، والحاصل أنها ذكرت أنه نقلها من شظف عيش أهلها إلى الثروة الواسعة من الخيل والإبل والزرع وغير ذلك.
قوله: (فعنده أقول فلا أقبح) أي فلا يقال لي قبحك الله، أو لا يقبح قولي، ولا يرد علي، أي لكثرة إكرامه لها، وتدللها عليه، لا يرد لها قولاً ولا يقبح عليها ما تأتي به.
قوله: (وأرقد فأتصبح) أي: أنام الصبحة وهي نوم أول النهار فلا أوقظ، إشارة إلى أن لها من يكفيها مؤنة بيتها ومهنة أهلها.
قوله: (وأشرب فأتقنح) : أي أروى حتى لا أحب الشرب، وقيل التقنح الشرب بعد الري.
قوله (أم أبي زرع فما أم أبي زرع؟ عكومها رداح، وبيتها فساح) والعكوم جمع عكم، وهي: الأعدال والأحمال التي تجمع فيها الأمتعة، ورداح أي: عظام كثيرة الحشو ملأى، وفساح أي: واسع يقال بيت فسيح وفساح، والمعنى أنها وصفت والدة زوجها بأنها كثيرة الآلات والأثاث والقماش، واسعة المال، كبيرة البيت؛ إما حقيقة فيدل ذلك على عظم الثروة، وإما كناية عن كثرة الخير، ورغد العيش والبر بمن ينزل بهم.
قوله: (ابن أبي زرع فما ابن أبي زرع؟ مضجعه كمسل شطبة، ويشبعه ذراع الجفرة) أصل الشطبة ما شطب من الجريد وهو سعفه، فيشق منه قضبان رقاق تنسج منه الحصر، شبهته بسيف مسلول ذي شطب، وسيوف اليمن كلها ذات شطب، وقد شبهت العرب الرجال بالسيوف إما لخشونة الجانب، وشدة المهابة، وإما لجمال الرونق، وكمال اللألاء، وإما لكمال صورتها في اعتدالها واستوائها، وأما الجفرة فهي الأنثى من ولد المعز إذا كان بن أربعة أشهر وفصل عن أمة وأخذ في الرعي، وقال الخليل: الجفر من أولاد الشاة ما استجفر أي صار له بطن.
قوله: (بنت أبي زرع فما بنت أبي زرع؟) في رواية مسلم (وما) بالواو بدل الفاء، قوله (طوع أبيها وطوع أمها) أي أنها بارة بهما.
قوله: (وملء كسائها) كناية عن كمال شخصها، ونعمة جسمها.
قوله: (وغيظ جارتها) في رواية سعيد بن سلمة عند مسلم (وعقر جارتها) بفتح المهملة وسكون القاف أي دهشها أو قتلها.
قوله: (جارية أبي زرع، فما جارية أبي زرع؟ لا تبث حديثنا تبثيثاً) بَثَّ الحديث، ونَثَّ الحديث: أظهره.
قوله: (ولا تنقث ميرتنا تنقيثاً) أي: تسرع فيه بالخيانة، وأرادت المبالغة في براءتها من الخيانة، والميرة أصله ما يحصله البدوي من الحضر ويحمله إلى منزله لينتفع به أهله، والمعنى لا تخرج ما في منزل أهلها إلى غيرهم.
قوله: (ولا تملأ بيتنا تعشيشاً) أي: أنها مُصلحة للبيت، مهتمة بتنظيفه، وإلقاء كناسته وإبعادها منه، وأنها لا تكتفي بقم كناسته وتركها في جوانبه كأنها الأعشاش.
قوله: (قالت:خرج أبو زرع والأوطاب تمخض) الأوطاب جمع وطب وهو وعاء اللبن، أرادت أنه يبكر بخروجه من منزلها غدوة وقت قيام الخدم والعبيد لأشغالهم، وانطوى في خبرها كثرة خير داره، وغزر لبنه، وأن عندهم ما يكفيهم ويفضل حتى يمخضوه ويستخرجوا زبده.
قوله: (فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين) فائدة وصفها لهما؛ التنبيه على أسباب تزويج أبي زرع لها؛ لأنهم كانوا يرغبون في أن تكون أولادهم من النساء المنجبات، فلذلك حرص أبو زرع عليها لما رآها.
قوله: (يلعبان من تحت خصرها برمانتين) أي: أن ذلك مكان الولدين منها، وأنهما كانا في حضنيها أو جنبيها، وفي تشبيه النهدين بالرمانتين إشارة إلى صغر سنها، وإنها لم تترهل حتى تنكسر ثدياها وتتدلى.
قوله: (فطلقني ونكحها فنكحت بعده رجلاً سرياً) أي: من سراة الناس، وهم كبراؤهم في حسن الصورة والهيئة، والسري من كل شيء: خياره.
قوله: (ركب شرياً) تعني فرساً خياراً فائقاً،
قوله: (وأخذ خطياً) نسبة إلى الخط وهو الرمح، والخط موضع بنواحي البحرين تجلب منه الرماح.
قوله: (أراح) من الرواح، ومعناه: أتى بها إلى المراح، وهو موضع مبيت الماشية.
قولهنعماً) هو الإبل خاصة، ويطلق على جميع المواشي إذا كان فيها إبل.
قوله: (ثرياً) أي كثيرة.
قوله: (وأعطاني من كل رائحة زوجاً) أعطاني من كل شيء يذبح زوجاً، والرائحة: الآتية وقت الرواح وهو آخر النهار.
قوله: (وقال كلي أم زرع وميرى أهلك) أي صليهم وأوسعي عليهم بالميرة وهي الطعام.
قوله: (فلو جمعت كل شيء أعطانيه ما بلغ أصغر آنية أبي زرع) وصفته بالسؤدد في ذاته، والشجاعة والفضل والجود؛ بكونه أباح لها أن تأكل ما شاءت من ماله، وتهدي منه ما شاءت لأهلها، مبالغة في إكرامها، ومع ذلك فكانت أحواله عندها محتقرة بالنسبة لأبي زرع، وكان سبب ذلك أن أبا زرع كان أول أزواجها، فسكنت محبته في قلبها كما قيل ما الحب إلا للحبيب الأول.
قوله: (قالت عائشة: قال رسول الله: - صلى الله عليه وسلم -) وفي رواية الترمذي: (فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -).
قوله: (كنت لكِ) يحتمل أن تكون كان هنا على بابها، والمراد بها الاتصال ، إذ المراد بيان زمان ماض في الجملة أي: كنت لك في سابق علم الله.
قوله: (كأبي زرع لأم زرع) زاد في رواية الهيثم بن عدي: (في الألفة والوفاء لا في الفرقة والجلاء)، وزاد الزبير في آخره: (إلا أنه طلقها وإني لا أطلقك) وزاد النسائي في رواية له والطبراني قالت عائشة: "يا رسول الله بل أنت خير من أبي زرع" وكأنه - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك تطييباً لها، وطمأنينة لقلبها، ودفعاً لإيهام عموم التشبيه بجملة أحوال أبي زرع؛ إذ لم يكن فيه ما تذمه النساء سوى ذلك، وقد وقع الإفصاح بذلك وأجابت هي عن ذلك جواب مثلها في فضلها وعلمها .
وقوله (التف) أي: رقد ناحية وتلفف بكسائه وحده وانقبض عن أهله إعراضاً، فهي كئيبة حزينة لذلك؛ ولذلك قالت: (ولا يولج الكف ليعلم البث) أي: لا يمد يده ليعلم ما هي عليه من الحزن فيزيله، ويحتمل أن تكون أرادت أنه ينام نوم العاجز الفشل الكسل، والمراد بالبث: الحزن، فأرادت أنه لا يسأل عن الأمر الذي يقع اهتمامها به، فوصفته بقلة الشفقة عليها، وأنه إن رآها عليلة لم يدخل يده في ثوبها ليتفقد خبرها كعادة الأجانب فضلا عن الأزواج، أو هو كناية عن ترك الملاعبة أو عن ترك الجماع، وقد جمعت في وصفها له بين اللؤم والبخل، والنهمة والمهانة، وسوء العشرة مع أهله، فإن العرب تذم بكثرة الأكل والشرب، وتتمدح بقلتهما، وبكثرة الجماع لدلالتها على صحة الذكورية والفحولية...
قوله: (قالت السابعة: زوجي غياياء أو عياياء طباقاء) والغياياء الطباقاء: الأحمق الذي ينطبق عليه أمره، وقال النووي: قال عياض وغيره: غياياء بالمعجمة صحيح، وهو مأخوذ من الغياية وهي الظلمة، وكل ما أظل الشخص، ومعناه: لا يهتدي إلى مسلك، أو أنها وصفته بثقل الروح، وأنه كالظل المتكاثف الظلمة الذي لا إشراق فيه، أو أنها أرادت أنه غطيت عليه أموره.
وقولها: (كل داء له داء) أي: كل شيء تفرق في الناس من المعايب موجود فيه.
وقولها: (شجكِ) أي: جرحك في رأسك، وجراحات الرأس تسمى شجاجاً، وقولها:
(أو فلكِ) أي جرح جسدك،
وقولها: (أو جمع كلا ًلكِ) قال الزمخشري: يحتمل أن تكون أرادت أنه ضروب للنساء، فإذا ضرب؛ إما أن يكسر عظماً، أو يشج رأسها، أو يجمعهما، قال عياض: وصفته بالحمق، والتناهي في سوء العشرة، وجمع النقائص بأن يعجز عن قضاء وطرها مع الأذى، فإذا حدثته سبها، وإذا مازحته شجها، وإذا أغضبته كسر عضواً من أعضائها، أو شق جلدها، أو أغار على مالها، أو جمع كل ذلك من الضرب والجرح وكسر العضو وموجع الكلام وأخذ المال.
قوله (قالت الثامنة: زوجي المس مس أرنب، والريح ريح زرنب) زاد الزبير في روايته: (وأنا أغلبه والناس يغلب) والأرنب: دويبة لينة المس، ناعمة الوبر جداً،
والزرنب: هو نبت طيب الريح، وصفته بأنه لين الجسد ناعمه، ويحتمل أن تكون كنَّت بذلك عن حسن خلقه، ولين عريكته؛ بأنه طيب العرق لكثرة نظافته، واستعماله الطيب؛ تظرفاً، ويحتمل أن تكون كنَّت بذلك عن طيب حديثه، أو طيب الثناء عليه؛ لجميل معاشرته،
وأما قولها (وأنا أغلبه والناس يغلب) فوصفته مع جميل عشرته لها، وصبره عليها؛ بالشجاعة..
قوله: (قالت التاسعة: زوجي رفيع العماد، طويل النجاد، عظيم الرماد، قريب البيت من الناد) وصفته بطول البيت وعلوه؛ فإن بيوت الأشراف كذلك، يعلونها ويضربونها في المواضع المرتفعة؛ ليقصدهم الطارقون والوافدون، فطول بيوتهم أما لزيادة شرفهم، أو لطول قاماتهم، وبيوت غيرهم قصار، ومن لازم طول البيت؛ أن يكون متسعاً فيدل على كثرة الحاشية والغاشية، وقيل كنَّت بذلك عن شرفه ورفعة قدره، والنجاد حمالة السيف تريد أنه طويل القامة يحتاج إلى طول نجاده، وفي ضمن كلامها أنه صاحب سيف فأشارت إلى شجاعته .
وقولها (عظيم الرماد) تعني: أن نار قراه للأضياف لا تطفأ لتهتدي الضيفان إليها، فيصير رماد النار كثيراً لذلك،
وقولها (قريب البيت من الناد) وقفت عليها بالسكون لمؤاخاه السجع، والنادي والندى مجلس القوم، وصفته بالشرف في قومه فهم إذا تفاوضوا وتشاوروا في أمر وأتوا فجلسوا قريباً من بيته؛ اعتمدوا على رأيه، وامتثلوا أمره، أو أنه وضع بيته في وسط الناس؛ ليسهل لقاؤه، ويكون أقرب إلى الوارد وطالب القرى، ويحتمل أن تريد أن أهل النادي إذا أتوه لم يصعب عليهم لقاؤه؛ لكونه لا يحتجب عنهم، ولا يتباعد منهم، بل يقرب ويتلقاهم، ويبادر لإكرامهم، وضد من يتوارى بأطراف الحلل، وأغوار المنازل، ويبعد عن سمت الضيف؛ لئلا يهتدوا إلى مكانه، فإذا استبعدوا موضعه صدروا عنه، ومالوا إلى غيره، ومحصل كلامها أنه وصفته بالسيادة والكرم، وحسن الخلق وطيب المعاشرة.
قوله: (قالت العاشرة زوجي: مالك، وما مالك؟ مالك خير من ذلك، له إبل كثيرات المبارك، قليلات المسارح، وإذا سمعن صوت المزهر أيقن أنهن هوالك) ما: في قولها (وما مالك) استفهامية يقال للتعظيم والتعجب .
والمعنى: وأي شيء هو مالك، ما أعظمه وأكرمه، وتكرير الاسم أدخل في باب التعظيم، وقولها: (مالك خير من ذلك) زيادة في الإعظام، وتفسير لبعض الإبهام، وأنه خير مما أشير إليه من ثناء وطيب ذكر، وفوق ما اعتقد فيه من سؤدد وفخر، والمبارك: جمع مبرك، وهو موضع نزول الإبل، والمسارح: جمع مسرح، وهو: الموضع الذي تطلق لترعى فيه، والمزهر بكسر الميم وسكون الزاي وفتح الهاء: آلة من آلات اللهو، وقيل: هي العود، وقيل: دف مربع،... فإذا سمعت الإبل صوته، ومعمعان النار؛ عرفت أن ضيفاً طرق فتيقنت الهلاك...
وهذه الي سميه عليها الحديث
قوله: (قالت الحادية عشرة) وهي أم زرع بنت أكيمل بن ساعدة.
قوله: (زوجي أبو زرع) قوله: (أناس) أي حرك، قوله: (من حلي أذني) المراد أنه ملأ أذنيها بما جرت عادة النساء من التحلي به من قرط وشنف من ذهب ولؤلؤ ونحو ذلك.
قوله: (وملأ من شحم عضدي) قال أبو عبيد لم ترد العضد وحده وإنما أرادت الجسد كله؛ لأن العضد إذا سمنت سمن سائر الجسد، وخصت العضد لأنه أقرب ما يلي بصر الإنسان من جسده، قوله (وبجحنى فبجحت) وفي رواية لمسلم (فتبجَّحَتْ إلي) بالتشديد (نفسي) والمعنى: أنه فرحها ففرحت، وقال ابن الأنباري: المعنى عظمني فعظمت إلي نفسي.
قوله: (وجدني في أهل غُنَيْمَة بشَق) المراد شق جبل كانوا فيه لقلتهم ووسعهم، والمعنى بالشق إنهم كانوا في شظف من العيش.
قوله: (فجعلني في أهل صهيل) أي: خيل (وأطيط) أي: إبل، وأصل الأطيط صوت أعواد المحامل والرجال على الجمال، فأرادت إنهم أصحاب محامل تشير بذلك إلى رفاهيتهم.
قوله (ودائس) اسم فاعل من الدوس، والدائس الذي يدوس الطعام، فكأنها أرادت إنهم أصحاب زرع.
قوله: (ومنق)أي له أنعام ذات نقي أي سمان، والحاصل أنها ذكرت أنه نقلها من شظف عيش أهلها إلى الثروة الواسعة من الخيل والإبل والزرع وغير ذلك.
قوله: (فعنده أقول فلا أقبح) أي فلا يقال لي قبحك الله، أو لا يقبح قولي، ولا يرد علي، أي لكثرة إكرامه لها، وتدللها عليه، لا يرد لها قولاً ولا يقبح عليها ما تأتي به.
قوله: (وأرقد فأتصبح) أي: أنام الصبحة وهي نوم أول النهار فلا أوقظ، إشارة إلى أن لها من يكفيها مؤنة بيتها ومهنة أهلها.
قوله: (وأشرب فأتقنح) : أي أروى حتى لا أحب الشرب، وقيل التقنح الشرب بعد الري.
قوله (أم أبي زرع فما أم أبي زرع؟ عكومها رداح، وبيتها فساح) والعكوم جمع عكم، وهي: الأعدال والأحمال التي تجمع فيها الأمتعة، ورداح أي: عظام كثيرة الحشو ملأى، وفساح أي: واسع يقال بيت فسيح وفساح، والمعنى أنها وصفت والدة زوجها بأنها كثيرة الآلات والأثاث والقماش، واسعة المال، كبيرة البيت؛ إما حقيقة فيدل ذلك على عظم الثروة، وإما كناية عن كثرة الخير، ورغد العيش والبر بمن ينزل بهم.
قوله: (ابن أبي زرع فما ابن أبي زرع؟ مضجعه كمسل شطبة، ويشبعه ذراع الجفرة) أصل الشطبة ما شطب من الجريد وهو سعفه، فيشق منه قضبان رقاق تنسج منه الحصر، شبهته بسيف مسلول ذي شطب، وسيوف اليمن كلها ذات شطب، وقد شبهت العرب الرجال بالسيوف إما لخشونة الجانب، وشدة المهابة، وإما لجمال الرونق، وكمال اللألاء، وإما لكمال صورتها في اعتدالها واستوائها، وأما الجفرة فهي الأنثى من ولد المعز إذا كان بن أربعة أشهر وفصل عن أمة وأخذ في الرعي، وقال الخليل: الجفر من أولاد الشاة ما استجفر أي صار له بطن.
قوله: (بنت أبي زرع فما بنت أبي زرع؟) في رواية مسلم (وما) بالواو بدل الفاء، قوله (طوع أبيها وطوع أمها) أي أنها بارة بهما.
قوله: (وملء كسائها) كناية عن كمال شخصها، ونعمة جسمها.
قوله: (وغيظ جارتها) في رواية سعيد بن سلمة عند مسلم (وعقر جارتها) بفتح المهملة وسكون القاف أي دهشها أو قتلها.
قوله: (جارية أبي زرع، فما جارية أبي زرع؟ لا تبث حديثنا تبثيثاً) بَثَّ الحديث، ونَثَّ الحديث: أظهره.
قوله: (ولا تنقث ميرتنا تنقيثاً) أي: تسرع فيه بالخيانة، وأرادت المبالغة في براءتها من الخيانة، والميرة أصله ما يحصله البدوي من الحضر ويحمله إلى منزله لينتفع به أهله، والمعنى لا تخرج ما في منزل أهلها إلى غيرهم.
قوله: (ولا تملأ بيتنا تعشيشاً) أي: أنها مُصلحة للبيت، مهتمة بتنظيفه، وإلقاء كناسته وإبعادها منه، وأنها لا تكتفي بقم كناسته وتركها في جوانبه كأنها الأعشاش.
قوله: (قالت:خرج أبو زرع والأوطاب تمخض) الأوطاب جمع وطب وهو وعاء اللبن، أرادت أنه يبكر بخروجه من منزلها غدوة وقت قيام الخدم والعبيد لأشغالهم، وانطوى في خبرها كثرة خير داره، وغزر لبنه، وأن عندهم ما يكفيهم ويفضل حتى يمخضوه ويستخرجوا زبده.
قوله: (فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين) فائدة وصفها لهما؛ التنبيه على أسباب تزويج أبي زرع لها؛ لأنهم كانوا يرغبون في أن تكون أولادهم من النساء المنجبات، فلذلك حرص أبو زرع عليها لما رآها.
قوله: (يلعبان من تحت خصرها برمانتين) أي: أن ذلك مكان الولدين منها، وأنهما كانا في حضنيها أو جنبيها، وفي تشبيه النهدين بالرمانتين إشارة إلى صغر سنها، وإنها لم تترهل حتى تنكسر ثدياها وتتدلى.
قوله: (فطلقني ونكحها فنكحت بعده رجلاً سرياً) أي: من سراة الناس، وهم كبراؤهم في حسن الصورة والهيئة، والسري من كل شيء: خياره.
قوله: (ركب شرياً) تعني فرساً خياراً فائقاً،
قوله: (وأخذ خطياً) نسبة إلى الخط وهو الرمح، والخط موضع بنواحي البحرين تجلب منه الرماح.
قوله: (أراح) من الرواح، ومعناه: أتى بها إلى المراح، وهو موضع مبيت الماشية.
قولهنعماً) هو الإبل خاصة، ويطلق على جميع المواشي إذا كان فيها إبل.
قوله: (ثرياً) أي كثيرة.
قوله: (وأعطاني من كل رائحة زوجاً) أعطاني من كل شيء يذبح زوجاً، والرائحة: الآتية وقت الرواح وهو آخر النهار.
قوله: (وقال كلي أم زرع وميرى أهلك) أي صليهم وأوسعي عليهم بالميرة وهي الطعام.
قوله: (فلو جمعت كل شيء أعطانيه ما بلغ أصغر آنية أبي زرع) وصفته بالسؤدد في ذاته، والشجاعة والفضل والجود؛ بكونه أباح لها أن تأكل ما شاءت من ماله، وتهدي منه ما شاءت لأهلها، مبالغة في إكرامها، ومع ذلك فكانت أحواله عندها محتقرة بالنسبة لأبي زرع، وكان سبب ذلك أن أبا زرع كان أول أزواجها، فسكنت محبته في قلبها كما قيل ما الحب إلا للحبيب الأول.
قوله: (قالت عائشة: قال رسول الله: - صلى الله عليه وسلم -) وفي رواية الترمذي: (فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -).
قوله: (كنت لكِ) يحتمل أن تكون كان هنا على بابها، والمراد بها الاتصال ، إذ المراد بيان زمان ماض في الجملة أي: كنت لك في سابق علم الله.
قوله: (كأبي زرع لأم زرع) زاد في رواية الهيثم بن عدي: (في الألفة والوفاء لا في الفرقة والجلاء)، وزاد الزبير في آخره: (إلا أنه طلقها وإني لا أطلقك) وزاد النسائي في رواية له والطبراني قالت عائشة: "يا رسول الله بل أنت خير من أبي زرع" وكأنه - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك تطييباً لها، وطمأنينة لقلبها، ودفعاً لإيهام عموم التشبيه بجملة أحوال أبي زرع؛ إذ لم يكن فيه ما تذمه النساء سوى ذلك، وقد وقع الإفصاح بذلك وأجابت هي عن ذلك جواب مثلها في فضلها وعلمها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق